رحيل القائد صلاح الدين
دمشق 14 صفر سنة 589هجري/خرج السلطان صلاح الدين لملاقاة الحجاج العائدين من مكة المكرمة حيث كان لقاءً رهيباُ تأثر منه السلطان وبكى وكم تمنى أن يكون معهم ليفوز فوزاً عظيماً وكم تمنى أن يؤدي الفريضة ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن؟
وما إن رجع صلاح الدين من استقبال الحجاج حتى شعر بإرهاق شديد وحرارة مرتفعة وقد وصف ابن شداد حالته كما يلي
في ليلة السبت السادس عشر من صفر إثر عودته من استقبال الحجيج العائد من الديار المقدسة شعر بتعب شديد وغشيته حمى صفراوية وفي اليوم التالي حضر بهاء الدين بن شداد والقاضي الفاضل وولده الملك الأفضل وطال جلوسهم عنده وأخذ يشكو من قلقه ليلاً وطاب له الحديث إلى الظهر ثم انصرفوا والقلوب عنده
ثم أخذ المرض يتعاظم وكان مرضه في رأسه وكان من إمارات إنتهاء العمر إذ كان قد ألف مزاجه سفراً وحضراً فرأى الأطباء قصده فقصدوه في اليوم الرابع فاشتد مرضه حتى انتهى إلى غاية الضعف ولقد جلسنا في سادس مرضه وأسندنا ظهره إلى مخدة وأحضر ماء فاتر ليشربه عقيب شرب دواء فشربه فوجده شديد الحراة فشكا من شدة حرارته وعرض ماء ثان فشكا من برده ولم يغضب ولم يصخب ولم يقل سوى هذه الكلمات : سبحان الله ألا يمكن أحداً تعديل الماء؟ فخرجت أنا والقاضي الفاضل من عنده وقد اشتد بنا البكاء والقاضي الفاضل يقول لي : أبصر هذه الأخلاق التي أشرف المسلمون على مفارقتها والله لو أن هذا بعض الناس لضرب بالقدح رأس من أحضره
وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هجري/ 4اَذار 1193ميلادي
وهي اليلة الثانية عشر من مرضه ساءت حالة صلاح الدين وأصبح في غيبوبة طويلة لم يفق منها إلا نادراً فاستحضر أحد المقرئين ليقرأ عنده القراَن الكريم حتى إذا وصل المقرىء إلى قوله تعالى : لا إله إلا هو عليه توكلت -تبسم وجه صلاح الدين وتهلل وأسلم الروح لبارئها وذلك بعد صلاة الصبح ذلك اليوم .وهكذا توقف ذلك القلب الكبير عن الخفقان !...وهو في السابعة والخمسين من العمر (532-589)قضي إحدى وثلاثين سنة من عمره وهو على ظهر جواده يجاهد في سبيل الله والوطن
لقد وقع موت صلاح الدين على المسلمين وقع الصاعقة للصدمة الفادحة يقول ابن شداد <<كان يوماً لم يصب الأسلام والمسلمون بمثله منذ فقدوا الخلفاء الراشدين وغشي القلعة والبلد والدنيا من الوحشة ما لا يعلمه إلا الله تعالى وبالله لقد كنت أسمع من بعض الناس أنهم يتمنون فداءه بنفوسهم وما سمعت هذا الحديث إلا يضرب من التجوز والترخص إلا في ذلك اليوم - فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفداء لفدي بالنفس ....وكان أولاده يخرجون مستغيثين إلى الناس فتكاد النفوس تزهق لهول منظرهم ...ودام الحال على ذلك إلى مابعد صلاة الظهر ... وكان نزوله في حفرته -رحمه الله تعالى رحمة واسعة وادخله فسيح جنانه -قريباً من صلاة العصر ثم نزل في أثناء النهار ولده الملك الظافر (مظفر الدين أبو العباس الخضر )وعزى الناس فيه وسكن قلوبهم فما وجد قلب إلا حزين ولاعين إلا باكية إلا ممن شاء الله ثم رجع الناس إلى بيوتهم أقبح رجوع
وما إن رجع صلاح الدين من استقبال الحجاج حتى شعر بإرهاق شديد وحرارة مرتفعة وقد وصف ابن شداد حالته كما يلي
في ليلة السبت السادس عشر من صفر إثر عودته من استقبال الحجيج العائد من الديار المقدسة شعر بتعب شديد وغشيته حمى صفراوية وفي اليوم التالي حضر بهاء الدين بن شداد والقاضي الفاضل وولده الملك الأفضل وطال جلوسهم عنده وأخذ يشكو من قلقه ليلاً وطاب له الحديث إلى الظهر ثم انصرفوا والقلوب عنده
ثم أخذ المرض يتعاظم وكان مرضه في رأسه وكان من إمارات إنتهاء العمر إذ كان قد ألف مزاجه سفراً وحضراً فرأى الأطباء قصده فقصدوه في اليوم الرابع فاشتد مرضه حتى انتهى إلى غاية الضعف ولقد جلسنا في سادس مرضه وأسندنا ظهره إلى مخدة وأحضر ماء فاتر ليشربه عقيب شرب دواء فشربه فوجده شديد الحراة فشكا من شدة حرارته وعرض ماء ثان فشكا من برده ولم يغضب ولم يصخب ولم يقل سوى هذه الكلمات : سبحان الله ألا يمكن أحداً تعديل الماء؟ فخرجت أنا والقاضي الفاضل من عنده وقد اشتد بنا البكاء والقاضي الفاضل يقول لي : أبصر هذه الأخلاق التي أشرف المسلمون على مفارقتها والله لو أن هذا بعض الناس لضرب بالقدح رأس من أحضره
وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هجري/ 4اَذار 1193ميلادي
وهي اليلة الثانية عشر من مرضه ساءت حالة صلاح الدين وأصبح في غيبوبة طويلة لم يفق منها إلا نادراً فاستحضر أحد المقرئين ليقرأ عنده القراَن الكريم حتى إذا وصل المقرىء إلى قوله تعالى : لا إله إلا هو عليه توكلت -تبسم وجه صلاح الدين وتهلل وأسلم الروح لبارئها وذلك بعد صلاة الصبح ذلك اليوم .وهكذا توقف ذلك القلب الكبير عن الخفقان !...وهو في السابعة والخمسين من العمر (532-589)قضي إحدى وثلاثين سنة من عمره وهو على ظهر جواده يجاهد في سبيل الله والوطن
لقد وقع موت صلاح الدين على المسلمين وقع الصاعقة للصدمة الفادحة يقول ابن شداد <<كان يوماً لم يصب الأسلام والمسلمون بمثله منذ فقدوا الخلفاء الراشدين وغشي القلعة والبلد والدنيا من الوحشة ما لا يعلمه إلا الله تعالى وبالله لقد كنت أسمع من بعض الناس أنهم يتمنون فداءه بنفوسهم وما سمعت هذا الحديث إلا يضرب من التجوز والترخص إلا في ذلك اليوم - فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفداء لفدي بالنفس ....وكان أولاده يخرجون مستغيثين إلى الناس فتكاد النفوس تزهق لهول منظرهم ...ودام الحال على ذلك إلى مابعد صلاة الظهر ... وكان نزوله في حفرته -رحمه الله تعالى رحمة واسعة وادخله فسيح جنانه -قريباً من صلاة العصر ثم نزل في أثناء النهار ولده الملك الظافر (مظفر الدين أبو العباس الخضر )وعزى الناس فيه وسكن قلوبهم فما وجد قلب إلا حزين ولاعين إلا باكية إلا ممن شاء الله ثم رجع الناس إلى بيوتهم أقبح رجوع
ولقد أخرج قريباً من صلاة العصر في تابوت مسجى ببعض الثياب التي استحضرها القاضي الفاضل وعند مشاهدة الناس للتابوت انهمرت الدموع وعلا الضجيج حتى أنه خيل للسامع أن الدنيا تصيح صوتاً واحداَ ...!.وتم دفنه - رحمه الله - حيث توفي في قلعة دمشق .
وبعد ثلاث سنوات أعد له ولده ( الملك الأفضل نور الدين علي)قبراً بجوار الجامع الأموي مكان دار رجل صالح اشتراها منه ونقل رفاته إليه في يوم عاشوراء بمحفل رهيب بالجامع الأموي ثلاثة أيام كاملة
لقد توفي صلاح الدين ولم يترك في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهماً ناصيرياً وديناراً واحداً ولم يكن هذا كافياً لتشييع جنازة السلطان ولم يكن يملك داراً ولا عقاراً سوى سيرة طيبة ستستمر بعده لما يقارب العشرة قرون لتلهم الكثيرين على مر الأجيال وهو الذي وضع يده عل كنوز الدولة الفاطمية وكانت مملكته أغنى مملكة في الشرق حيث كان ينفق كل ما لديه في وجوه الخير والأحسان وقد بلغ كرمه وزهده أنه لم يكن لديه مالاً يتزكى به
وهكذا تثبت سيرة صلاح الدين الأيوبي أن القوة لا تصنع البطولة إذا لم تقترن بالمروءة ومكارم الأخلاق فيا سيرة صلاح الدين علمينا مناقب الأبطال
ومن أهم المراثي التي عبرت عن مشاعر العرب والمسلمين في وصف هذا المصاب الجلل أصدق تعبير هي القصيدة التي نظمها العماد الأصفهاني والتي تقع في مئتين واثنين وثلاثين بيتاً نقتطف منها هذه الأبيات
بالله أين الناصر الذي لله خالصة صفت نياته
أين الذي شرف الزمان بفضله وسمت على الفضلاء تشريفاته؟
أين الذي عنت الفرنج لبأسه ذلاً ومنها أدركت ثاراته ؟
في نصرة الإسلام يسهر دائماً ليطول في روض الجنان سباته
لا تحسبوه مات شخص واحد فممات كل العالمين مماته
ما كنت أعلم أن بحراً طامياً فينا يطم وتنتهي زخراته؟
لو كان في عصر النبي لأنزلت في ذكره من ذكر اَياته
وكعادة بيت المقدس يحزن البيت الحرام عليه عرفاته
ما كان أسرع عصره لما انقضى فكأنما سنواته ساعاته
والبشر منه تبلجت أنواره والوجه منه تلألأت سبحاته
أرضيت تحت التراب يامن لم يزل فوق السماء عليه درجاته
فارقت ملكاً غير باق متعباً ووصلت ملكاً باقياً راحاته
لاتقتدوا إلا بسنة فضله لتطيب في مهد النعيم سناته
أين الذي شرف الزمان بفضله وسمت على الفضلاء تشريفاته؟
أين الذي عنت الفرنج لبأسه ذلاً ومنها أدركت ثاراته ؟
في نصرة الإسلام يسهر دائماً ليطول في روض الجنان سباته
لا تحسبوه مات شخص واحد فممات كل العالمين مماته
ما كنت أعلم أن بحراً طامياً فينا يطم وتنتهي زخراته؟
لو كان في عصر النبي لأنزلت في ذكره من ذكر اَياته
وكعادة بيت المقدس يحزن البيت الحرام عليه عرفاته
ما كان أسرع عصره لما انقضى فكأنما سنواته ساعاته
والبشر منه تبلجت أنواره والوجه منه تلألأت سبحاته
أرضيت تحت التراب يامن لم يزل فوق السماء عليه درجاته
فارقت ملكاً غير باق متعباً ووصلت ملكاً باقياً راحاته
لاتقتدوا إلا بسنة فضله لتطيب في مهد النعيم سناته
رحم الله صلاح الدين. والتاريخ يعيد نفسه فنزيف الدم العربي يجري بأرض فلسطين واستعمرتها "إسرائيل" وأصبحت خراباً منذ أيار 1948 وعاد الاستعمار والسيطرة وإراقة الدماء العربية بأرض العراق والعالم العربي غمرته سود الأهاويل وينتظر التحرير والسلام من جديد.