صلاح الدين في التراث
في الوعي العربي
-----------------
بالرغم من أن الدولة التي أسساها صلاح الدين لم تدم طويلاً من بعده، إلا أن صلاح الدين يُعَدُّ في الوعي العربي الإسلامي محرر القدس، ومع تصاعد مشاعر القومية العربية في القرن العشرين، ولا سيما في وجود الصراع العربي الإسرائيلي، اكتسبت بطولة صلاح الدين وقيادته أهمية جديدة، فقد كان في تحريره للقدس من الصليبيين مصدر إلهام لمعارضة العرب في العصر الحديث للصهيونية. كما استلهمت شخصيته في الملاحم والأشعار وحتى مناهج التربية الوطنية في الدول العربية، كما أُلِّفَت عشرات الكتب عن سيرته، وتناولتها المسرحيات والتمثيليات والأعمال الدرامية. لا يزال صلاح الدين يضرب به المثل كقائد مسلم مثالي واجه أعداءه بحسم ليحرر أراضي المسلمين، دون تفريط في الشهامة والأخلاق الرفيعة.
علاوة على ذلك، كان ينظر إلى وحدة العالم العربي تحت راية صلاح الدين رمزًا مثاليًا للوحدة الجديدة التي سعى إليها القوميون العرب، بقيادة جمال عبد الناصر. لهذا السبب، أصبح عقاب صلاح الدين رمزًا لثورة مصر،[160] واعتمد لاحقًا كشعار لعدد من الدول العربية الأخرى مثل العراق وفلسطين واليمن وسوريا. بل إن هناك محافظة في العراق سُمّيت على اسمه، إضافة إلى جامعة صلاح الدين في أربيل أكبر مدن كردستان العراق.
هناك عدد قليل من المباني منذ عهد صلاح الدين ما زالت باقية، داخل المدن الحديثة. فقد كان صلاح الدين الأيوبي أول من حصّن قلعة القاهرة (1175-1183). ومن بين الحصون التي بناها "قلعة الجندي" في سيناء، والتي تطل على طرق القوافل التي يربط مصر بالشرق الأوسط، داخل تلك القلعة، عثر فريق آثار فرنسي عام 1909م، على عدد من الغرف المقببة الكبيرة المنحوتة في الصخر، بها بقايا متاجر وصهاريج مياه.[161] كذلك يُطلق بعض المسلمين على أولادهم الذكور اسم "صلاح الدين" تيمنًا بهذا القائد، على الرغم من أن هذا الاسم كان لقبًا للسلطان الأيوبي خُلع عليه بعد إسقاطه الدولة الفاطمية وقتاله الصليبيين.
علاوة على ذلك، كان ينظر إلى وحدة العالم العربي تحت راية صلاح الدين رمزًا مثاليًا للوحدة الجديدة التي سعى إليها القوميون العرب، بقيادة جمال عبد الناصر. لهذا السبب، أصبح عقاب صلاح الدين رمزًا لثورة مصر،[160] واعتمد لاحقًا كشعار لعدد من الدول العربية الأخرى مثل العراق وفلسطين واليمن وسوريا. بل إن هناك محافظة في العراق سُمّيت على اسمه، إضافة إلى جامعة صلاح الدين في أربيل أكبر مدن كردستان العراق.
هناك عدد قليل من المباني منذ عهد صلاح الدين ما زالت باقية، داخل المدن الحديثة. فقد كان صلاح الدين الأيوبي أول من حصّن قلعة القاهرة (1175-1183). ومن بين الحصون التي بناها "قلعة الجندي" في سيناء، والتي تطل على طرق القوافل التي يربط مصر بالشرق الأوسط، داخل تلك القلعة، عثر فريق آثار فرنسي عام 1909م، على عدد من الغرف المقببة الكبيرة المنحوتة في الصخر، بها بقايا متاجر وصهاريج مياه.[161] كذلك يُطلق بعض المسلمين على أولادهم الذكور اسم "صلاح الدين" تيمنًا بهذا القائد، على الرغم من أن هذا الاسم كان لقبًا للسلطان الأيوبي خُلع عليه بعد إسقاطه الدولة الفاطمية وقتاله الصليبيين.
في الوعي الأوروبي
-------------------
بالرغم من كون صلاح الدين خصمًا للأوروبيين، فإنه ظل في الوعي الأوروبي نموذجًا للفارس الشهم الذي تتجسد فيه أخلاق الفروسية بالمفهوم الأوروبي، حتى أنه توجد ملحمة شعبية شعرية من القرن الرابع عشر تصف أعماله البطولية. فعلى الرغم من المذبحة التي قام بها الصليبيون عندما احتلوا القدس في عام 1099م، فقد عفى صلاح الدين وسمح للمسيحيين الغربيين بالمغادرة مع بقايا الجيش المسيحي المنهزم، طالما أنهم كانوا قادرين على دفع الفدية التي فرضها عليهم. كما عومل الأرثوذكس (ومنهم مسيحيون عرب) معاملة أفضل لأنهم عادة ما كانوا يعارضون الغزو الأوروبي الصليبي.
بالرغم من الاختلاف في العقيدة فإن القُواد المسيحيين امتدحوا صلاح الدين، خصوصًا ريتشارد قلب الأسد، الذي قال عنه أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم وأقوى قائد في العالم الإسلامي؛ كما رد صلاح الدين بأنه لم يكن هناك قائد مسيحي أشرف من ريتشارد. وبعد معاهدة الرملة، تبادل صلاح الدين وريتشارد الهدايا كرمز للاحترام المتبادل، ولكنهما لم يلتقيا قط وجهًا لوجه.
وقد ذكر بهاء الدين الأصفهاني، أنه في شهر أبريل من سنة 1191م، كانت امرأة من الفرنجة قد سرق منها طفلها الذي يبلغ من العمر ثلاث شهور، وبيع في السوق، فنصحها الفرنجة بالتظلم لصلاح الدين الأيوبي نفسه، فأمر صلاح الدين باستعادة الطفل من ماله الخاص لأمه، وأعادها إلى مخيمها.
قال عنه المؤرخون الأوروبيون أنه "من الحق أن كرمه وورعه وبعده عن التعصب؛ تلك الليبرالية والنزاهة التي كانت النموذج الذي ألهم مؤرخينا القدماء؛ هي ما أكسبه احترامًا في سوريا الإفرنجية لا يقل عن الذي له في أرض الإسلام."
وعلى النقيض، ووفقًا لبعض المصادر، فخلال الحرب العالمية الأولى، أعلن القائد البريطاني إدموند ألنبي بفخر أن "اليوم انتهت الحروب الصليبية" رافعًا سيفه نحو تمثال لصلاح الدين الأيوبي بعد الاستيلاء على دمشق، وهي العبارة التي لازمت ألنبي طوال حياته، وهو ما احتج عليه بشدة ضد من يصفون غزوه لفلسطين عام 1917م بالحملة الصليبية. وفي عام 1933م، ذكر ألنبي أن أهمية القدس تكمن في أهميتها الاستراتيجية، ولم يكن هناك دوافع دينية لتلك الحملة. كما احتفلت الصحافة البريطانية أيضًا باحتلال الشام برسم هزلي لريتشارد قلب الأسد وهو ينظر إلى القدس وكتب تحتها عبارة "أخيرًا، تحقق حلمي".[165] وبعد أن دخل الفريق أول الفرنسي هنري غورو المدينة في شهر يوليو من عام 1920م، ركل قبر صلاح الدين الأيوبي وهو يصيح "استيقظ يا صلاح الدين، قد عدنا تواجدي هنا يكرس انتصار الصليب على الهلال
بالرغم من الاختلاف في العقيدة فإن القُواد المسيحيين امتدحوا صلاح الدين، خصوصًا ريتشارد قلب الأسد، الذي قال عنه أنه أمير عظيم وأنه بلا شك أعظم وأقوى قائد في العالم الإسلامي؛ كما رد صلاح الدين بأنه لم يكن هناك قائد مسيحي أشرف من ريتشارد. وبعد معاهدة الرملة، تبادل صلاح الدين وريتشارد الهدايا كرمز للاحترام المتبادل، ولكنهما لم يلتقيا قط وجهًا لوجه.
وقد ذكر بهاء الدين الأصفهاني، أنه في شهر أبريل من سنة 1191م، كانت امرأة من الفرنجة قد سرق منها طفلها الذي يبلغ من العمر ثلاث شهور، وبيع في السوق، فنصحها الفرنجة بالتظلم لصلاح الدين الأيوبي نفسه، فأمر صلاح الدين باستعادة الطفل من ماله الخاص لأمه، وأعادها إلى مخيمها.
قال عنه المؤرخون الأوروبيون أنه "من الحق أن كرمه وورعه وبعده عن التعصب؛ تلك الليبرالية والنزاهة التي كانت النموذج الذي ألهم مؤرخينا القدماء؛ هي ما أكسبه احترامًا في سوريا الإفرنجية لا يقل عن الذي له في أرض الإسلام."
وعلى النقيض، ووفقًا لبعض المصادر، فخلال الحرب العالمية الأولى، أعلن القائد البريطاني إدموند ألنبي بفخر أن "اليوم انتهت الحروب الصليبية" رافعًا سيفه نحو تمثال لصلاح الدين الأيوبي بعد الاستيلاء على دمشق، وهي العبارة التي لازمت ألنبي طوال حياته، وهو ما احتج عليه بشدة ضد من يصفون غزوه لفلسطين عام 1917م بالحملة الصليبية. وفي عام 1933م، ذكر ألنبي أن أهمية القدس تكمن في أهميتها الاستراتيجية، ولم يكن هناك دوافع دينية لتلك الحملة. كما احتفلت الصحافة البريطانية أيضًا باحتلال الشام برسم هزلي لريتشارد قلب الأسد وهو ينظر إلى القدس وكتب تحتها عبارة "أخيرًا، تحقق حلمي".[165] وبعد أن دخل الفريق أول الفرنسي هنري غورو المدينة في شهر يوليو من عام 1920م، ركل قبر صلاح الدين الأيوبي وهو يصيح "استيقظ يا صلاح الدين، قد عدنا تواجدي هنا يكرس انتصار الصليب على الهلال